تفاصيل الخبر |
الكيان البروتيني المعدي القاتل ( بريون )
2024-12-18
الكيان البروتيني المعدي القاتل ( بريون )
مقال للتدريسي أ.د. سمير مشرف خلف
في عام 1984 تمَ الكشف عن تَنقية وعزلِ عواملٍ بروتينيةٍ معديةٍ تُسبب عددًا من الحالاتِ المرضية القاتلة وما يميز هذهِ العوامل القاتلة إنها كياناتٍ تفتقرُ الى العاملِ المهم المُسبب للعدوى او الانقسام للعوامل الممرضةِ كالفايروسات والبكتيريا ونقَصدً هنا الأحماض النوويـــــــــــة ((DNA,RNA ، ومنذُ ذلكَ الحين تَطرقت بعضُ الدراساتِ الخَجولة في محاولاتٍ هدفها كَشفُ الِلثام عَما يكتنفهُ هذا الكيانِ الغامض من أسرارٍ وخفايا قد تشكلُ خطراً ليسَ على وجودِ الأنسان فحسب ، بل الكائناتِ الحيةِ أجمعها .
وجُلَّ ما يميزُ هذهِ العوامل القاتلة (على الرغم من كونِها تتواجدُ بصورةٍ طبيعيةٍ في ادمغةِ الكائناتِ الحيةِ ويُعتقد أنها عواملُ ترميزٍ أو وسائلٍ للتواصلِ بين خلايا الكائنِ الواحدِ) هو إنها عندما تتحول من الصورةِ الطبيعيةِ الى الصورةِ الممسوخةِ ( المشوهةِ) بسبب خطأ يَحدث أثناء عملية طَيّ البروتين يُحدِث إختزالاً في حجمِها فيؤدي ذلك الى امتلاكها صفةُ مرورٍ مُصَرح بهِ الى جميعِ المواقع في داخلِ جسمِ الكائنِ الحي ، إذ ففي الوقتِ الذي تمتلك فيهِ أصغر أنواع البكتيريا والفايروسات حجوماً تتراوح بين 1-5 مايكروميتر و20 - 200 نانوميتر على التوالي تمتاز البريونات بحجوم متناهيةٍ في الصغرِ لا يتعدى قُطرها في افضلِ الأحوال 15 نانوميتر ، وهذا يُعَدُّ إستثناءاً لكيانٍ او عاملٍ ممرضٍ اذ يمكنُهُ هذا الإستثناء من المرورِ من ادقِ المُرشحات والأغلفةِ الخلويةِ فيَكون بذلك حُراً في إصابةِ أيُّ خليةٍ تَعترَضُ طريقهُ ، وعلى الرغمِ من صعوبةِ سَبرِ أو تفسيرِ الأليةِ التي يَتكاثرُ بها هذا الكيانُ القاتلُ إلا إنهُ وحالَ ملامستهِ لأيِّ بروتينٍ طبيعي يعمل وبشكلٍ فاعلٍ على تَحويلهُ الى بروتينٍ ممسوخٍ فاقدٍ للطيّ الطبيعي بأليةٍ لا تزالُ مبهمةً لحدِ الأن .
إشتُقت كلمةُ بريون منَ ( بروتين Protein معدي Infection ) وتَظهرُ تحتَ المجهر الأليكتروني بشكلِ بروتيناتٍ خيطيةٍ غيرُ مطويةٍ يؤدي تلامُسها مع ايّ بروتينٍ أخر الى تدميرِ بُنيّةِ هذا البروتين وتُشير الكثير من الدراسات في هذا المجالِ الى أن مصدر البريون في الأصل يعودُ الى أنسجةٍ وخَلايا الحيواناتِ الميتةٍ المتحللةٍ أو مصادر الغذاء ذاتِ الأصل الحيواني كأعلافِ الأسماكِ والدجاجِ والأغنام والأبقار، بالإضافةِ الى ذلك فأن إنعدام قُدرة الجسم على مقاومتها وإنتشار العدوى بها قد تعود الى أن البريونات هي بالأصل تُشفّر بواسطة جينات ذاتِ أصلٍ خلويٍ وبالتالي يكون لها تركيب يشُبه تماماً التركيب الكيميائي للبروتين الطبيعي الأصلي الذي نشأت منهُ ( وإن كانت هناك إختلافاتٍ هيكليةٍ في بنُيتهِ ) كما تشير دراساتٍ اخُرى الى إنها نشأت من طفرةٍ صامتةٍ أصابت الجينِ المُشّفِر لها إذ تَبينَّ أن البروتين المطابق لها موجودٌ في الكائناتِ الخاليةِ من المرضِ واستناداً الى ذلكَ تمَ التوصلُ الى الأعتقادِ او فكرة إن نسخةً من البروتينِ الخلوي غير الطبيعي يمكنها أن تغيرُ بشكلٍ أو بأخر البروتين الطبيعي المطابق لها الى الشكلِ غير الطبيعي ، مما يُسبب تكاثِرها ، ونتيجةً لذلكَ فإن البريون يستهدفُ نوعين من الأنسجةِ أو الخلايا التي تتميزُ بمحتواها العالي من البروتين ، النوع الأول هو خلايا وأنسجة الجهازِ العَصبي ( الدماغ ) مما يسببُ تدميراً وإنحلالاً ونخراً لهذهِ الأنسجة بسبب تأثيرها على البروتينات وتحويلها الى خيوطٍ منحلةٍ بدل الشكلِ الطبيعي المطويّ ومن أشهر وأهم الأمراض في هذا النوع الكورو وجنونِ البقر والزهايمر والتصّلب المتعدد وداءُ باركنسون وداءُ كرون والدماغ الأسفنجي المُعدي ، أما النوعُ الثاني فهو يؤثر على خلايا وأنسجة الجلد مسبباً نخراً ونزيفاً حاداً لدى الأبقار والأغنام .
تنتقلُ وتتطورُ أمراض البريون غالباً بثلاثِ طرقٍ هي المكتسبة والعائلية والمختلفة ويمكن أن تنتشر أيضاً من المضيفِ المريضِ عن طريقِ اللعُاب أو سوائلِ الجسم الأُخرى ووفقاً للدراسات، يمكن عَدّ النباتات ناقلاً لهذهِ البريونات لأنها يمكن أن تلتصقُ بالنباتات وبالتالي تنتقل إلى الحيوانات عن طريقِ التغذيةِ ، وتكمنُ خطورةُ البريونات في إنها شديدةُ المقاومةِ لمختلفِ المعُقماتِ والمُطهراتِ ، وتتميز بمرونتها تجاه الأشعة فوق البنفسجية ودرجات الحرارةِ المرتفعةِ، وكذلك أمام الإنزيمات التي تُدمر الأحماض النووية والفورمالدهيد ، كما إنها تقاومُ التعقيمَ ، وهو ما يُميزها عن غيرها من الفيروساتِ والعواملِ المعديةِ من حيثُ أنها أكثُر شدةً ومقاومةً .
إلا أنها تتأثرُ عندَ تعرضها لمركبات الهيبوكلوريد ونتيجةً لذلكَ فإن مركبات هيبوكلوريد (مثل مواد التبييض والمنظفات تايد) المستخدمة في التنظيفِ في حياتنا اليومية تُعدّ قاتلةً ومبيدةً للبريونات ، بالإضافةِ إلى ذلك، فإن إستخدام هذهِ المُركبات لتعقيمِ الثلاجات ومعداتِ حفظ ِالعيناتِ المرضيةِ يجعلُ التعَقيمَ أكثرُ أمانًا وفعاليةً ضَد جميعِ أشكالِ العدوى، بما في ذلك البريونات.
من جانبٍ أخر فأن خطورةَ هذهِ البريونات تكمنُ في عدمِ وجودِ علاجاتٍ فعالةٍ لعلاجِ الأمراضِ التي تسبُبها ، لذا أصبح من المهم جداً التعمق بدراسةِ البريونات بشكلٍ أكثر دقةً والتحكمِ في طرقِ انتقالها وإستخدام طرق التعقيم الفعالة سواءاً في الحياةِ العامةِ أو المؤسساتِ الطبيةِ والصحيةِ أو تغذيةِ الثروةِ الحيوانيةِ ، مما يمكننا من الحدِ ومنعِ إنتشار مثل هذه العوامل وحدوث أمراضها الخطيرة.