الارساء الجزيئي
2024-12-22
الارساء الجزيئي Molecular docking
مقال علمي للأستاذ الدكتور سمير مشرف خلف
لا يخفى على المتخصصينَ في الميادينِ العلميةِ المختلفةِ مثل ميدان الصيدلةِ Pharmacology والسمومِ Toxicology وعلمِ الأحياءِBiology والأحياء الجزيئيMolecular Biology والكيمياءِ العضويةِ والحياتيةِ Organic or Biochemistry ... الخ من التخصصات العلمية التي تعنى بالفاعليةِ الجزيئيةِ للبروتينات الدورُ الكبيرُ الذي يلعبهُ الإرساء الجزيئي إذ يكادُ لا يخلوُ علمٌ من العلومِ الأخرى من التداخلِ مع هذا الموضوع فعلى سبيلِ المثالِ لا الحصر علمُ الأحياءِ المجهريةِ Microbiology وما يكتنفهُ هذا العلمُ بكلِ تفرعاتهِ من تغايراتٍ وتداخلاتٍ تطرأ على تلكِ الأحياء نتيجةً لتبدلاتِ البروتينات أو مواقعها الفعالةِ Active sites فيتدخل الإرساءُ الجزيئيُ كحجزِ أساس تستندُ عليهِ تلكَ العلومُ فيكون ممهداً لفهمِ العديد من الألياتِ التي تحدثُ على المستوى الجزيئي وإقتراحِ حلولٍ بديلةٍ تثبطُ أو تنشطُ أو تكونُ عوضاً لجزءٍ مهمٍ في العلميةِ ألَا وهوَ المادةُ الأساس التي ترتبطُ بالبروتين لأجل القيام بعملهِ أو تثبيطهُ .
يستندُ هذا العلمُ في الأساس على مجموعةٍ كبيرةٍ من قواعدِ البيانات Data bases كقاعدة بياناتِ البروتينات Protein Data Bank (PDB) بالإضافة الى موقعِ منظمةِ الغذاءِ والدواءِFood and Drug Administration (FDA) بالإستعانةِ ببرامجِ محاكاةٍ ضخمةٍ تعطي واقعاً افتراضياً مطابقاً لما هو موجودٌ أساساً في الواقع وتمكنُ الباحثَ من تغييرِ أو تعديلِ الكثير من المتطلباتِ والأجزاء والعناصرِ التي يتكون منها البروتين ، وفي النهايةِ يوفرُ للباحث خارطةً ملموسةً لنوعِ وموقعِ الأرتباط الذي يحدثُ بينَ المادةِ الأساس والموقعِ الفعال للبروتين .
ولتحديد مادةٍ أساس Substrate (Ligand ) معينةٍ أو إقتراحِ دواءٍ لمرضٍ معينٍ يتحتمُ على الباحثِ قبلَ الشروعِ بالعملِ دراسةُ الموقعِ الفعالِ الذي سترتبطُ بهِ على المجالِ البروتيني ، وبذا نكونُ قد أنجزنا نصفَ المهمةِ تماماً مثلِ إنشاءِ مرفأٍ متخصصٍ لرسُوِ باخرةٍ كبيرةِ الحجمِ وما تبقى هو مجردُ إجراءات فنيةٍ تضمنُ وصولَ ورسّوِ الباخرةِ في الميناءِ المحددِ بشكلٍ أمن ومحكم.
فإذا رغِبَ الباحثُ بتطويرِ علاجٍ لمرضٍ معينٍ مثلِ داءُ الملوكِ (النقرس) Gout يفترضُ بهِ أن يدرسَ البروتينِ والموقعِ الفعالِ عليه ومن ثَّمَ يدرسُ التركيبَ الكيميائي للمستحضراتِ أو الأدوية التي أَعطت نتائجَ جيدةً بالأرتباطِ في الموقعِ الفعالِ ثم ينتقلُ الى المحركاتِ الخاصةِ بالمستخلصاتِ النباتيةِ مثل موقع Zinc لأجلِ البحثِ عن مركبٍ او مستخلصٍ يحاكي او يُشابهُ المستحضرَ الذي أعطى نتائجاً ملموسةً وجيدةً وبعد أن يجري عليه فحوصاتِ التقُبلِ والرَفضِ وقابليةِ المرورِ والسميةِ الدوائيةِ In silico predicted Toxic Properties تبدأ هنا سلسلةً من العملياتِ التي تجعلُ منهُ مركباً بصيغةٍ أو هيئةٍ تمكنهُ من الرسُّوِ في الموقعِ الفعالِ وأودُ أن أشيرَ الى أن جميعِ العلمياتِ التي أشرت إليها أو التي سيأتي ذكرُها هي عملياتٍ تجري بإستخدام محاكاةٍ حاسوبيةٍ غايةٍ في الدقةِ ولا تتطلبُ الدخولَ الى مختبرٍ أو شراءِ موادٍ أو إستخدامِ أجهزةٍ ، وهذا بالحقيقةِ ما يجعلُ أو يضيفُ إلى هذا العلمِ صفةُ التفردِ لأنهُ يوفرُ كثيراً من الجهدِ والتكلفةِ على الباحثين ويفتحُ أفاقاً عديدةً في معظمِ العلومِ الطبيةِ والأحيائيةِ .
وبعد تكييفِ البروتين والمادةِ الأساسِ للإرتباطِ مع بعضِهما نَشرعُ بتحميلهما على البرنامجِ المشغلِ الأساسي كبرنامج PyRx ، إذ يقومُ هذا البرنامجِ بعملِ محاكاةٍ ثلاثيةٍ الأبعادِ لعمليةِ الأرتباطِ المشارِ اليها بالإضافة الى الكثيرِ من الخصائصِ التي تُمَكنُ الباحثَ من إظهار أو الإشارة إلى مواقع الإرتباط ونوع الإرتباط (على المستوى الجزيئي) إذ يُظهرُ البرنامجَ خارطة ً ثنائيةَ الأبعادِ تُمثلُ إرتباط كلِ عنصرٍ او مجموعةٍ فعالةٍ في المادةِ الأساس بالحمضِ الأمينيُ المقابلُ لها على البروتينِ بالإضافةِ الى نوعِ تلكَ الأصرة التي رَبطت بينهُما .
وهذا في الحقيقةِ يمنحُ الباحثَ خطوةً استباقيةً تعفيهِ من التجريبِ المُبهَمِ والأعمى على مستخلصٍ من نباتٍ معينٍ حاوياً على كَمٍ هائلٍ من المركباتِ الفعالةِ التي قد يكونُ إحدها هو المادةِ الأساس التي قامت بالأرتباطِ بالموقعِ الفعالِ فيُوفرُ جهداً واموالاً قد لا تؤتي ثمارُها اطلاقاً وعلى مدى سنينَ من البحثِ والتجريبِ ، كما تُسهلُ على الباحثِ الأنطلاقَ المُبكر في مجالِ التجريبِ على الحيواناتِ المختبريةِ والحصولِ على نتائجَ وتفسيراتٍ مسنودةٍ بأدلةٍ علميةٍ وعلى المستوى الجزيئي .
ولأجلِ هذا كُلهِ ولكونِ هذا العلمَ أو تلكَ التقنيةِ تُعدُ من التقنياتِ الخضراءِ التي تَدّخرُ الجُهدَ والأموالَ بالإضافةِ الى مراعاتها جوانبَ أخلاقياتِ البحث العلمي إذ سَتَحدُ وبشكلٍ كبيرٍ من أعدادِ الحيواناتِ المختبريةِ التي ستعاني من عمليةِ التجريعِ بمستخلصاتٍ مجهولةٍ فيكتفي الباحثُ بمكرراتٍ قليلةٍ كونهُ قد إستحصل على التركيزِ الفعالِ من خلالِ تقنيةِ الإرساء الجزيئي التي أنصحُ الباحثين في المجالاتِ العلميةِ المختلفةِ بتجريبها قبل الشروعِ بالتجربةِ الخاصةِ بهِ والإستنادِ الى النتائجِ التي سيحصلُ عليها من أجل اختصارِ الجهدِ والمالِ .
|